تطوان44: نزار القريشي
تتضح جليا رغبة ” الكرملين” الملحة في الخروج من ورطة ما أسماه بالعملية العسكرية ضد أوكرانيا، بعد الاستنزاف الطويل الذي طال كل سلاح الجيش الروسي، وذلك من خلال حث الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب” على إنهاء هذه الحرب، وهو ما لمحت إليه وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي” كايا كالاس” لموقع “أكسيوس” بقولها :” إن تصريحات الإدارة الأمريكية تجاهنا قوية للغاية، مقابل تصريحات ودية بشأن روسيا”، إذ يجعل ذلك أوروبا تشعر بالقلق من أن الإدارة الأمريكية تسعى للابتعاد عن أوروبا مقابل التحالف مع أصدقاء جدد.
و في السياق ذاته، أكدت المسؤولة الأوروبية على أنّ الضمانة الأمنية الأفضل لأوكرانيا، تتمثل في انضمامها لحلف شمال الأطلسي. إلى ذلك، تدرس إستخبارات “إم.أي.6″ بتنسيق مع مديرية الاستخبارات الخارجية الفرنسية، وشركاء أوروبيين آخرين من مجتمع الاستخبارات الأوروبي و دول العُيون الخمس، إمكانية دعوة تركيا للانخراط في تحالف يضمها إلى المجموعة الأوروبية، للرفع من مستوى القدرة و الجاهزية لدى أوروبا في مواجهة ” الكريملين”، إذ تأكد دخول خبراء أتراك لكييف تمهيدا لملئ وتعويض الفراغ العسكري الأمريكي، وهو ما ستدعمه روما و برلين لاحقا عبر ضرورة السماح بإدماج تركيا داخل المجموعة الأوروبية، وذلك على المدى المتوسط، حيث اتضحت الرغبة الأوروبية في ذلك بعد لقاء الرئيس التركي” رجب طيب أردوغان” ونضيره الأوكراني”فولوديمير زيلينسكي”، والذي أكده أيضا لقاء جمع بين وزير الخارجية التركي “هكان فيدان” و وزير الدفاع الأوكراني ” رستم أوميروف”، وهو ما توج بتوقيع تركيا و أوكرانيا مذكرة تفاهم شاملة تخص مجال الصناعات الدفاعية، مما يبرز معه ملامح حلف أوروبي- تركي يتشكلّ في الأفق القريب، لاستئناف المواجهة ضد الروس مستقبلا. وهو ما يعطي أهمية لدور تركيا الجديد في السياسة الدولية وينقذ الأوروبيين، خاصة في ظل تفاهمات دونالد ترامب وروسيا.
فبالنظر لتجربة الجيش التركي في مواجهة الجيش الروسي على الساحة الليبية و الأذربيجانية و السورية، تأكد أن قراءة الاستخبارات التركية ” إم.أي تي” للخريطة الجيوسياسية التي يشتغل عليها الكريملين بإيحاء من المفكر الروسي ” ألكسندر دوغين”، تشكل خطرا على تركيا في حدود مدى متوسط و بعيد، إذ يرى الأتراك أن أوكرانيا خط دفاع و صد أمام أي تقدم للروس، وهو ما اتضح الأمر بشأنه تاريخيا و الحرب التي استمرت ألف سنة بين المنطقة الناطقة بالتركية على مساحة أسيا الوسطى وروسيا.وهو أيضا ما دفع بأردوغان للتواطؤ و المساهمة في إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد المتحالف مع موسكو، لذلك ترى استخبارات “إم.أي6” البريطانية في تقييمها للوضع على الخريطة العسكرية أن فائض القوة التركي يصل إلى حدود سيبيريا عبر نفوذ أنقرة بآسيا الوسطى، و أنّ استجابة الأوروبيين لطلب أنقرة بانضمامها للإتحاد الأوروبي أصبحت ضرورة قصوى من ضرورات المرحلة. هذا، وقد تحفظ “قصر الإليزيه” سابقا على ذلك، مما يتطلب معه وهذه المرحلة حسب ما تسرب عن المقاربة البريطانية للأزمة الأوكرانية ليونة في الموقف الفرنسي و الألماني تجاه انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي،لأنّ ذلك يضمن تأمينا إضافيا لأمن أوكرانيا وأوروبا معا.
من جانب آخر، و في السياق الدولي الراهن وعلى مستوى إقليم الشرق الأوسط. فإن الجيش الإسرائيلي يضغط على أمريكا لإبقاء قاعدتي روسيا بسوريا، وتأتي هذه الرغبة في إطار توجس إسرائيل من حكام سوريا الجدد، لكن شكوكا تحوم حول عودة الجيش الروسي لسوريا، والذي قد يعيد معه الحرس الثوري الإيراني، إذ ترى المملكة العربية السعودية في ذلك عودة للخطر الإيراني عبر إعادة انتشاره من جديد على مساحة خريطة الإقليم، مما يشكل خطرا إيرانيا في المستقبل على منطقة شرق المملكة العربية السعودية مرورا إلى مملكة البحرين و الكويت، لذلك ترى تل أبيب في عزل روسيا عن إيران ضرورة من ضرورات الشرق الأوسط الجديد، وهو ما ترى معه الاستخبارات الخارجية الفرنسية عزل العلاقة بين تركيا وأوروبا عن الملف السوري، حيث تتوافق رؤية شعبة الاستخبارات داخل الجيش الإسرائيلي” أمان” على ذلك مع الاستخبارات الخارجية الفرنسية عبر ما تسرب من تبادل مذكرات إخبارية مع مكتب “نيكولا لرنر”، حول موضوع العلاقات مع أنقرة،وذلك في ظل انعدام وجود تفاهمات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” و الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”. ليتبين أن ترتيب أوراق المنطقة و ارتباطها بالصراع مع روسيا يضع الشرق الأوسط و أوروبا في اختبار جديد،و يؤكد استئناف صراع “البنتاجون” ضد الكريملين، بعد مرحلة “دونالد ترامب”، مما يعيد الحلف الأوروبي –الأمريكي و زخمه لواجهة السياسة الدولية أفق سنة 2028 م، وهي تاريخ نهاية فترة رجب طيب أردوغان الرئاسية ، والتي ستتزامن و نهاية ولاية “دونالد ترامب” الثانية، هذا إن لم تنجح الدولة العميقة في إقصاءه في ظل الصراع الداخلي الأمريكي، وفي ظل أيضا خدمة ترامب لمصالح “الكرملين” و تبديده لفائض القوة الأمريكي، مع تدميره لعلاقات الولايات المتحدة الأمريكية بالعديد من حلفاءها، وهي اتهامات موجهة ل “دونالد ترامب” صادرة عن “الحزب الديمقراطي” و الدولة العميقة داخل أمريكا، وهو ما يؤكد أن الرئيس الأمريكي غير مُنْتبه لمسألة أن الدولة العميقة لا تُهزم و أن مُحاربتها مسألة جد قاتلة.
