تطوان44: محمد العربي اطريبش
في الوقت الذي تعاد فيه صياغة التحالفات الإقليمية والدولية على وقع الحرب في أوكرانيا وتصاعد التوتر في الشرق الأوسط، طرحت موسكو على طهران عرضا غير مسبوق لتحالف شامل يشمل التعاون العسكري والأمني ، وحتى النووي حيث جاء العرض الروسي في لحظة دقيقة إذ تواجه كل من روسيا وإيران عزلة غربية خانقة وكان من الممكن أن يشكل نقطة تحول في التوازنات الجيوسياسية لصالح طهران ما أظهر بالملموس عن سوء تقديرها للأوضاع الراهنة وابعاده المستقبلية .
لكن الرد الإيراني لم يأت كما توقعت موسكو فقد رفضت طهران الدخول في هذا التحالف الشامل مدفوعة بأمل طال انتظاره بتحقيق انفراج في علاقاتها مع نضيرتها الغرب وخاصة بشأن الملف النووي والعقوبات الاقتصادية إلا أن هذا الانفتاح لم يتحقق وتحول إلى رهان خاسر ترك إيران خارج أي منظومة تحالف متماسكة وقوية وفي موقع استراتيجي اقل ما يمكن القول عنه أنه هش.
وكما هو واضح وجلي أن طهران رغم تصاعد التوتر مع الغرب لا تزال تحتفظ بأمل العودة إلى طاولة التفاوض بشروط أفضل وتجنبت الاصطفاف الكامل مع روسيا، غير أن هذا الحذر الاستراتيجي وإن بدا عقلانيا في ظاهره كلف إيران ضياع فرصة ذهبية لإعادة رسم ميزان القوى الإقليمي خصوصا في ظل تراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط وتنامي الحضور الروسي والصيني.
الرفض الإيراني لم يكن فقط نتيجة الرغبة في إبقاء الأبواب مفتوحة مع الغرب بل أيضا بسبب فقدان الثقة في موسكو كحليف استراتيجي ، حيث ان طهران لا تزال الذاكرة السياسية تحتفظ بتجارب مريرة مع روسيا كان أبرزها تخليها عن حلفائها في المنطقة كما حصل في لبنان خلال العدوان الإسرائيلي حيث اتخذت موسكو موقفا باردًا رغم وجود مصالح مشتركة مع قوى محور المقاومة.
في المقابل، وجدت إسرائيل في هذا الفراغ الاستراتيجي فرصة للتحرك بارتياح ضد إيران ومع غياب غطاء روسي محتمل أو ردع تحالفي جديد كثّفت تل أبيب من ضرباتها العسكرية ضد أهداف إيرانية في سوريا ورفعت وتيرة عملياتها السيبرانية داخل إيران ويبدو أن القيادة الإسرائيلية تقرأ بدقة ارتباك القرار الإيراني وتتحرك ضمن هامش واسع لاستهدافه دون خشية من ردود دولية كبرى.
من جهته لم تبق إيران مكتوفة الأيدي أمام التصعيد الإسرائيلي، إذ بدأت بتغيير قواعد الاشتباك عبر استهداف مراكز استراتيجية داخل العمق الإسرائيلي، بما في ذلك منشآت حساسة في تل أبيب، هذا التحول النوعي في الرد الإيراني شكّل رسالة واضحة مفادها أن طهران قادرة على تهديد أمن واستقرار إسرائيل بشكل مباشر، وأن ساحة المواجهة لم تعد محصورة في دول الجوار أو عبر الوكلاء ولئن كانت هذه الضربات محدودة من حيث المدى فإن رمزيتها العسكرية والسياسية تُعدّ تصعيدًا لافتًا يُنذر بتحول في موازين الردع بين الطرفين ويزيد من تعقيد المشهد الإقليمي برمّته.
إيران أضاعت فرصة مهمة لتعزيز موقعها الإقليمي والدولي بسبب ترددها في القبول بعرض تحالفي مع روسيا كان يمكن أن يغير الكثير في معادلات القوة وبين شكوكها تجاه موسكو وخيبة أملها من الغرب تجد طهران نفسها اليوم في منطقة رمادية تدفع فيها ثمن الانتظار والرهانات المؤجلة بينما تستغل إسرائيل هذه اللحظة لفرض واقع جديد في الصراع القائم.
وختاما لما أسلفنا ذكره وفي لحظة عالمية تتسم بإعادة تشكل النظام الدولي اعتقد جازما أنه لا مكان للانتظار الطويل أو للرهانات غير الواقعية ، إيران بترددها بين تحالفات غير مكتملة وأخرى مرفوضة تركت فراغا استراتيجيًا استفادت منه تل أبيب بامتياز وفي ظل هذا المشهد المتشابك يبقى مستقبل إيران رهينًا بقدرتها على اتخاذ قرارات جريئة تنطلق من مصالحها القومية لا من أوهام الوساطة الغربية أو الحذر المفرط تجاه حلفاء ظرفيين أو بمعنى اخر حلفاء المصلحة المؤقتة.
