تطوان44: محمد جواد أبو رهف
الإنسان العربي عمومًا كائن عاطفي واجتماعي بدرجة تفوق الحد الطبيعي، لذلك نجد المجتمعات العربية من أكثر المجتمعات التي يسعى أفرادها لإثبات ذواتهم من خلال علاقات اجتماعية مبالغ فيها، مع الحرص على إبراز الكرم إلى درجة التصنّع. ولهذا، نجد بعض الأشخاص يشكون الفقد، رغم أنهم لم يهتموا بأقاربهم في حياتهم، كما يشكون الفقر، رغم إنفاقهم الأموال على أمور غير ضرورية وغير مدرة للنفع.
وفي وسائل التواصل الاجتماعي، نرى شخصيات تبدو مثيرة للإعجاب، لكن عند التعمق نجد أن كثيرًا منها تعاني اضطرابات أو تناقضات نفسية، باستثناء القلة القليلة التي تعكس شخصياتها الحقيقية. هذه المشكلات السلوكية لها جذور نفسية وتربوية، وهي انعكاس للبيئة العاطفية وغير العقلانية التي ينشأ فيها الفرد العربي. وعندما يحاول البعض تبنّي نهج عقلاني أو السعي إلى مساحة أكبر من الاستقلالية والفردانية، يواجهون هجومًا من المجتمع الذي يفضل الاستمرار في الصورة النمطية والمثالية الزائفة، تحت غطاء الأمجاد والتغني بالماضي.
لكن التاريخ يثبت أن المجتمعات العربية لم تتقدم إلا حين أعلت من شأن العقل والكفاءة والتفكير المستقل، واعتمدت على التنافسية المنطقية القائمة على بناء الإنسان السليم فكريًا، عقائديًا، وجسديًا. فإذا أراد الإنسان العربي النهوض، فعليه أن يعترف بأسباب تراجعه، وأن يسعى للاستقلال الذاتي والفكري، ليكون اجتماعيًا بطريقة متوازنة، لا بالذوبان حتى الاختفاء، ولا بالعزلة حتى الفقدان، بل بإيجاد توازن بين الفردية والتكامل المجتمعي القائم على الوعي والعقلانية.