بقلم: أزلو محمد
في خطوة أثارت استغرابًا واسعًا وردود فعل حادة على الصعيدين المحلي والدولي، صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب -المعروف بمواقفه المثيرة للجدل- عن خططٍ تتعلق بقطاع غزة، حيث كشف عن نيته بسط سيطرة الولايات المتحدة على القطاع بعد تهجير سكانه الفلسطينيين إلى دول أخرى، مثل مصر والأردن. هذه التصريحات، التي وُصفت بأنها غير مسبوقة، أثارت موجة من الانتقادات والتساؤلات حول الأهداف الحقيقية لسياسات ترامب وتأثيرها على استقرار المنطقة ومستقبلها.
في تصريحاته الأخيرة، قال ترامب إنه يتطلع إلى أن تكون للولايات المتحدة “ملكية طويلة الأمد” في قطاع غزة. هذا الإعلان جاء مترافقًا مع رؤية أوسع لإعادة توطين الفلسطينيين خارج القطاع، وهو ما أثار استهجانًا واسعًا بين الفلسطينيين والعرب عمومًا. واعتبر المراقبون هذه الخطوة امتدادًا لسياسات ترامب السابقة التي سعت إلى إعادة صياغة المشهد السياسي والجغرافي في الشرق الأوسط بما يخدم المصالح الإسرائيلية والأميركية.
ترامب، الذي واجه انتقادات شديدة بسبب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، يبدو أنه يسعى مرة أخرى إلى إثارة زوبعة سياسية جديدة. لكن هذه المرة، الحديث عن تهجير الفلسطينيين من غزة والهيمنة الأميركية على القطاع يمثل تصعيدًا خطيرًا يهدد بتفجير الأوضاع في المنطقة.
ما يجعل تصريحات ترامب أكثر خطورة هو حديثه الواضح عن تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن. هذه الفكرة ليست بالجديدة، فقد طُرحت مرارًا في دوائر سياسية معينة كجزء من خطط لتصفية القضية الفلسطينية، لكنها دائمًا ما كانت تُقابل بالرفض المطلق من الفلسطينيين ودول الجوار. ما يميز تصريحات ترامب هو جرأته في الإعلان عن مثل هذا المخطط بشكل علني، مما يُظهر استهتاره بالحقوق الفلسطينية والقوانين الدولية.
تهجير السكان من غزة، إن تم فرضه، لن يكون مجرد انتهاك صارخ للقوانين الدولية، بل سيؤدي إلى خلق أزمة إنسانية وأمنية كبيرة في المنطقة. مصر والأردن، الدولتان اللتان أشار إليهما ترامب كوجهات للفلسطينيين، تواجهان بالفعل تحديات اقتصادية واجتماعية، ولن تكونا مستعدتين لتحمل عبء إضافي يتمثل في استقبال مئات الآلاف من اللاجئين.
تحليل تصريحات ترامب وسياسته تجاه القضية الفلسطينية يكشف عن عدة أهداف. يبدو أن ترامب يسعى إلى تعزيز نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من خلال إدخال تغييرات جذرية على الوضع الراهن، بما يتماشى مع رؤيته الخاصة لتحقيق “صفقة القرن”.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فسياسات ترامب تجاه غزة وغيرها من القضايا في المنطقة قد تحمل في طياتها رغبة في ترك بصمة تاريخية، بغض النظر عن العواقب. يبدو أن الرئيس الأميركي يرى أن أي تغيير جذري، مهما كان مثيرًا للجدل، يمكن أن يُحسب له كإنجاز شخصي وسياسي.
تصريحات ترامب قوبلت برفض واسع النطاق، سواء من الداخل الفلسطيني أو على المستوى الدولي. السلطة الفلسطينية وصفت هذه التصريحات بأنها “إعلان حرب” على الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. كما أعربت دول عربية وإسلامية عن استنكارها الشديد، محذرة من تداعيات مثل هذه الخطط على الأمن والاستقرار في المنطقة.
على الصعيد الدولي، يبدو أن ترامب يواجه عزلة متزايدة بسبب سياساته الأحادية وغير المدروسة. الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية أكدت مرارًا على رفضها لأي محاولات لتهجير السكان قسرًا أو تغيير الوضع القائم في الأراضي المحتلة.
تصريحات ترامب الأخيرة بشأن غزة ليست سوى جزء من مشهد أوسع يكشف عن رؤيته للعالم كأداة لتحقيق مصالحه الخاصة ومصالح حلفائه. سياساته في الشرق الأوسط، التي تعتمد على القوة والإملاءات، تؤكد أنه لا يعير اهتمامًا كبيرًا للقوانين الدولية أو الاتفاقيات المبرمة.
لكن السؤال الأهم هو: إلى أين يمكن أن تقود هذه السياسات؟ من الواضح أن ترامب يغامر بمصير المنطقة عبر طرح أفكار تهدد بتفجير الأوضاع وزيادة التوترات. ومع ذلك، فإن الرفض الفلسطيني والعربي والدولي لهذه المخططات قد يشكل حاجزًا أمام تحقيقها، على الأقل في الوقت الحالي.
في النهاية، تبقى تصريحات ترامب تذكيرًا قويًا بالتحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، وضرورة توحيد الجهود لمواجهة المخاطر المحدقة بها. فالتاريخ أثبت أن الحقوق لا تُمنح، بل تُنتزع بالنضال والصمود.