تطوان44: نزار القريشي
تبين بعد القمة الأوروبية الأخيرة، مواصلة أوروبا زمام المواجهة ضد روسيا، بعد التأكد من التقارب الكبير بين الرئيس الأمريكي”دونالد ترامب” ونظيره الروسي “فلاديمير بوتن”، وهو ما تجلى بعد استقبال الملك البريطاني “تشارلز الثالث”، للرئيس الأوكراني “فلودومير زلنسكي” بقصر بكنغهام، وقد تم تأكيد هذا الدعم في لقاء آخر جمع رئيس وزراء بريطانيا “كير ستارمر” بالرئيس الأوكراني.هذا، وقد تمخض عن القمة الأوروبية تعهد كل من: لندن وباريس و روما وبرلين و أنقرة، تصنيعهم للمزيد من الإمدادات العسكرية لحماية أمن أوكرانيا و أوروبا من التهديدات الروسية. إذ تأكد الدعم التركي للأوربيين بعد وضوح نوايا “الكرملين”، تجاه تركيا بسبب مساهمتها في إسقاطها نظام الرئيس السوري ” بشار الأسد”. وهو ما سينتقل الصراع بشأنه بين الأتراك و الروس على الساحة السورية، إن انتهى الجيش الروسي من حرب أوكرانيا، وبقي الصراع مجمدا على الأرض الليبية. ليتضح بعد تحليل تصريحات” ألكسندر دوغين” الأخيرة، أن ” الكريملن” سيعود للشرق الأوسط، فور انتهاء حرب أوكرانيا، وهو ما سيعيد معه الحلف الشيعي للواجهة باعتباره أداة من أدوات الكرملين الأساسية بالمنطقة. لذلك تواجه “تل أبيب” تعقيدات في علاقاتها المركبة ما بين روسيا و تركيا، وهو ما دفع برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لتوجيه تهديدات لحكام سوريا الجدد إزاء أي تعرض للدروز بسوريا، مما يؤكد أن عودة روسيا إلى سوريا ستعمل على خلط الأوراق بالإقليم من جديد،إذ ترى شعبة الاستخبارات داخل الجيش الإسرائيلي”أمان”، أحقيتها في إعادة ترتيب هذه الأوراق، وهو ما يؤكد اشتداد الصراع بين استخبارات “الموساد” و باقي الأجهزة الإسرائيلية، في مواجهة نظيرتها “إم.أي.تي” التركية، في ظل غياب أدنى مستوى من التفاهمات بين إسرائيل و تركيا. و هو ما ستترتب عليه خسارة مؤكدة لحزب “العدالة و التنمية” التركي لانتخابات تركيا أفق سنة 2028 م. إلى ذلك، تأكد توطيد العلاقة الأوروبية-التركية ، بعد حضور “هكان فيدان” في القمة الأوروبية الأخيرة، بعد توعد الكرملين بعقابه لتركيا بسبب تآمرها كما قلنا على الرئيس السوري “بشار الأسد”.
في السياق الدولي العام ذاته، وبعد اللقاء الشهير الذي جمع بين ترامب و زلنسكي ، وبعد الدعم الأوروبي الموجه لدعم كييف الذي تلا ذلك، تأكدت نوايا الأوروبيين في مواصلة الصراع ضد الروس، رغم غياب الدعم الأمريكي، وهو ما سيؤهل “البيت الأبيض” للتفرغ لإدارة صراعه ضد الصين، حيث تشكل الصين من وجهة نظر أمريكية خطرا على قيادة أمريكا للعالم، وهو ما يؤكد أيضا أن الصين تشكل خطرا على روسيا حسب رؤية الأولغارش الروس، وذلك في تقييمهم لهذا الخطر على المدى البعيد، فالكرملين لن يقبل بدولة قد تحكم العالم لديهم حدود مشتركة معها، و في ظل الهوة الاقتصادية الكبيرة بين الصين وروسيا، وهو ما يتجلى و عدم دعم الصين للمنطقة الأوراسية، وهو ما دفع أيضا “بفلاديمير بوتن”، لتأخيره سيطرة الصين على الاقتصاد الأمريكي، من خلال إدارته المالية و الحرب على الساحة الأوكرانية، وهو ما تؤكده براغماتية روسيا عبر علاقتها بالهند من خلال دعمها العسكري لنيودلهي. من جانب آخر، و في سياق مرتبط بالشق الاقتصادي، إن ذاك ما يؤهل استمرار الدولار الأمريكي في خدمة الاقتصاد العالمي و الشركات الدولية من داخل النظام العالمي الجاري تحديثه، إذ تسمح رؤية الصين تجاه الدولار تمرير الخرائط الجيوسياسية و الجيواقتصادية، وتؤهل الشركات و الدولة العميقة بأمريكا لرسم حدود الخرائط العالمية الجديدة، مع إعادة تقسيم الأدوار ، وربط الإنتاج و مصادر الموارد و الأسواق بالدولار. فاستخبارات “إم.إس.إس” الصينية ، تعلم جيدا أن أي مشكلة قد تواجه الدولار ستؤدي حتما لانهيار وسقوط الاقتصاد الصيني، وأن محاولات الصين الرامية لزيادة تركيزها على الأصل الدولاري، بغية السيطرة على الأصول الأمريكية، قصد تجاوزها لاقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، هو ما أدى بشعبة دراسات الأسواق داخل استخبارات البنتاجون “دي.أي.إي”، لابتكار خطط سرية تعمل على غلق الأسواق الدولية في وجه الصين بشكل مباشر، إن تدخلت في تايوان ضد نظام حكومة تايبي، وذلك من الأشياء التي تتلاقى الرؤية بصددها بين دونالد ترامب و الدولة العميقة بأمريكا عبر البنتاغون و “سي.أي.إيه”، وهو ما سيساعد على التخفيف من مستوى الاحتقان داخل أمريكا ، في إطار التوافق حول رفع الرئيس الأمريكي لشعار “أمريكا أولا”، لأن البنتاجون يرى في تراجع الاقتصادي الصيني تراجعا مؤكدا في ميزانية الدفاع الصينية، و البحث العلمي داخل حدود الصين، و إدارة هذا الصراع الجاري بين واشنطن و بكين حول من يتصدر القرن 21 .
إلى ذلك، يؤكد الوضع الدولي العام. أن خطوات اللاعبين الدوليين على رقعة شطرنج السياسة الدولية ، ستتسم بنقلات حذرة و يقظة ، لأن الحسابات الجارية للعبة لن تمتلك التراجع مستقبلا عن أية خطوة، إزاء نتائج التطورات الحاصلة حول العالم، ليتضح بموازاة مع ذلك، أن علاقة الاستراتيجيات هي علاقة وطيدة مع الوقائع و تطوراتها، فالتفكير الاستراتيجي خلال هذه المرحلة سيكون له أثر مباشر على مجرى وسير الأحداث في الحقب القادمة، وما ينطوي عليها من أزمات وصراعات قصد بلوغ الأهداف و تحقيق المصالح ، وهو ما نؤكد عليه من خلال هذه المقاربة حول العلاقات الدولية وفق ما يتيح لنا علم السياسة معرفته .
