تطوان44: بقلم الصحفي الإسباني ألفارو فروتوس روسادو
نعيش أوقاتًا يبدو فيها الواقع وكأنه ينهار تحت أقدامنا. كنا نعتقد أننا نتقدم، ومع ذلك، يبدو أننا نتراجع. صراعات اعتقدنا أننا تجاوزناها تظهر من جديد بعنف غير متوقع. القواعد التي كانت تنظم العالم تتلاشى في نوع من الارتجال الفوضوي. العلاقات الدولية، بدلًا من أن تتقوى، تتفتت في لعبة من عدم الثقة والقطيعة. والأخطر من ذلك هو أن المعاهدات والتحالفات والاتفاقيات ليست هي وحدها التي تنكسر؛ بل تنكسر الأشكال، والأعراف، والقواعد غير المكتوبة التي كانت تجعل البشر قادرين على التفاهم فيما وراء اختلافاتهم. وفي خضم هذه الأزمة، فإن ما هو على المحك ليس التوازن الجيوسياسي فحسب، بل قيمة التواصل نفسها.
نواجه مفارقة: لم يكن للبشرية من قبل وسائل للتواصل مثلما هي اليوم، ومع ذلك، فإن انعدام التواصل هو القاعدة. نتحدث أكثر، ولكننا نصغي أقل. نبلغ أكثر، ولكننا نفهم أقل. ننشر أكثر، ولكننا نتأمل أقل. في هذا السياق، أود أن أتأمل معكم في التواصل ليس باعتباره ظاهرة تكنولوجية بسيطة، بل باعتباره مبدأ حضاريًا.
نريد أن نفعل ذلك من منظور الضفتين، إسبانيا والمغرب، بلدين تشاركا قرونًا من التاريخ، اللقاءات والخلافات، الأنوار والظلال، لكن لديهما اليوم الفرصة – والمسؤولية – لاستعادة المعنى العميق للكلمة: الحوار الأصيل.
أولًا. عالم في تفكك
يعلمنا التاريخ أن لحظات الأزمات غالبًا ما تجلب معها جوابين محتملين: التراجع في الخوف أو القفزة نحو التحول. واليوم، للأسف، نرى الكثير من علامات التراجع. لقد حذرنا عالم السياسة جوزيف ناي من «القوة الناعمة» كمفتاح للاستقرار العالمي، ولكننا نشهد عودة ظهور القوة الغاشمة، والفرض دون هوادة. كيف وصلنا إلى هنا؟ في أواخر القرن التاسع عشر، حذر المفكر العربي جمال الدين الأفغاني من أن المجتمعات الإسلامية يجب أن تتجنب الوقوع بين التعصب والتقليد الأعمى للغرب. لا يمكننا القول إن نصيحته قد تم الاستماع إليها بالكامل. ولا في الغرب تم فهم الدرس: أوروبا، التي كانت تفتخر بتجاوز حروب الإخوة في القرن العشرين، تعود لتغازل خطاب المواجهة. في كتابه «عالم الأمس»، وصف ستيفان زفايغ كيف انهارت أوروبا في شبابه، المثقفة والعالمية، بين عشية وضحاها في وحشية الحرب. اليوم، عندما نرى كيف تتراجع الدبلوماسية وتدق طبول الحرب في أجزاء مختلفة من العالم، لا يمكننا تجنب تذكر تحذيره. لا تسموه أمنًا، سموه ما هو عليه: تصنيع وشراء الأسلحة. ليس السياسة وحدها هي التي تتفكك. العلاقات الإنسانية أيضًا. يقول لنا الكاتب المغربي الطاهر بن جلون: «العنصرية لا تفكر، بل تعاش». اليوم، يمكننا أن نقول الشيء نفسه عن عدم الثقة: لا تجادل، بل تشعر. تستقر في المجتمعات كسم خفي، غالبًا ما تروج له وسائل الإعلام نفسها، التي بدلًا من بناء الجسور، تقيم الجدران.
ثانيًا. التواصل في أزمة
التواصل، الذي يجب أن يخدم الفهم، تحول إلى سلاح للتلاعب. لقد حذر أنطونيو غرامشي عندما تحدث عن «الهيمنة الثقافية»: القوة الحقيقية ليست فقط في السياسة أو الاقتصاد، بل في السيطرة على الخطاب. على الرواية التي تقال اليوم. وفي العصر الرقمي، تمارس هذه السيطرة بطريقة أكثر تطورًا من أي وقت مضى. اليوم، المعلومات فورية، لكن ذلك لا يجعلها أكثر صدقًا. «الحقائق تبنى»، قال ميشيل فوكو. ولم نر قط مثلما نرى الآن كيف يتم تصنيع الحقيقة، وتعديلها، وتكييفها مع المصالح السياسية والاقتصادية. لا يتم الإبلاغ لجعل الناس يفكرون، بل لتلقينهم. لا تطرح الأسئلة، بل تقدم الإجابات الجاهزة (الحجج). وفي هذا السياق، فإن وظيفة المتواصل – وكل من يعمل في مجال التواصل – أكثر أهمية من أي وقت مضى. كما قال مانويل تشافيس نوغاليس: مراقب للحالة الإنسانية، مدفوعًا بالحاجة إلى فهم ومشاركة الحقيقة، بغض النظر عن مدى عدم ارتياحها. استعادة الحقيقة في التواصل تعني إعادة معناها الأصلي: لا فرض، بل حوار؛ لا بيع، بل توضيح؛ لا تضليل، بل تنوير. وهذا مهم بشكل خاص عندما نتحدث عن علاقة معقدة مثل العلاقة بين إسبانيا والمغرب.
ثالثًا. إسبانيا والمغرب: بين التاريخ والمستقبل
إسبانيا والمغرب يتشاركان أكثر من مجرد حدود جغرافية. إنهما ضفتان كانتا في الوقت نفسه مرآة وتناقضًا. هناك عبارة لابن خلدون، المؤرخ العظيم في القرن الرابع عشر، تلخص علاقتنا جيدًا: «الجغرافيا تؤثر في التاريخ». ما نحن عليه اليوم هو نتيجة قرون من التبادل، والتهجين الثقافي، والصراعات والتحالفات. المشكلة هي أننا ما زلنا عالقين في روايات عفا عليها الزمن. ما زلنا نرى العلاقة بين إسبانيا والمغرب بعدسات الماضي، دون أن ندرك أن التحدي الحقيقي ليس تكرار التاريخ، بل «كتابة تاريخ جديد». كما قال الكاتب الإسباني خوان غويتيسولو، «مشكلة إسبانيا أنها لم تعرف كيف تنظر إلى جنوبها». ويمكننا أن نضيف: مشكلة المغرب أنه لم يعرف كيف ينظر إلى شماله بثقة كافية. إذا أردنا بناء علاقة قوية بين دولتينا، يجب أن نغير طريقة تواصلنا. يجب أن نتوقف عن رؤية أنفسنا كمنافسين وأن نبدأ في الاعتراف بأننا شركاء في عالم يحتاج إلى مزيد من التعاون وأقل مواجهة. لقد حذرنا الفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري من أن التحديث لا يمكن أن يكون مجرد تقليد للغرب، بل عملية إعادة بناء نقدية لهويتنا. يمكننا أن نقول الشيء نفسه عن العلاقة الإسبانية المغربية: لا يتعلق الأمر بتقليد نماذج أجنبية، بل بإيجاد طريق خاص بنا قائم على الاحترام المتبادل وفهم اختلافاتنا.
الخلاصة
في عالم عدم اليقين، لا يمكن أن يكون التواصل مجرد انعكاس للفوضى. يجب أن يكون أداة لإعادة بناء التفاهم، لتمييز المهم عن العرضي، لحل المشاكل بدلًا من مجرد صياغتها، اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى استعادة المعنى العميق للتواصل. ليس كأداة للسلطة، بل كجسر نحو التفاهم. ليس كسلاح للمواجهة، بل كمساحة للقاء. ليس كمنتج استهلاكي، بل كروح التعايش نفسها. لأن التواصل الحقيقي في النهاية ليس فقط هو الذي يبلغ، بل هو الذي يحول. شكرًا جزيلًا.